فصل: فصل في علامات الساعة وأقسامها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في علامات الساعة وأقسامها:

عِبَادَ اللهِ لَقَدْ أَخْبَرَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا أَنَّ حَيَاةً أُخْرَى نُجَازَى فِيهَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالٍ، وَلا شَكَّ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ الثَّانِيَةِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالى أَخْبَرَ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَأَخْبَرَ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَلامَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى إقْتِرَابِهَا، يَزْدَادُ بِهَا إِيمَانًا ذُو الْقَلْبِ السَّلِيمِ.

.علامات الساعة البعيدة:

وَهَذِهِ الْعَلامَاتُ تَنْقَسِمُ إِلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ ظَهَرَ وَانْقَضَى، وَهِيَ الأَمَارَاتِ الْبَعِيدَةِ، وَقِسْمٌ ظَهَرَ وَلَمْ يَنْقَضِ، بَلْ لا يَزَالُ فِي ازْدِيَادٍ حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْغَايَةَ ظَهَرَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهِيَ الأَمَارَاتُ الْقَرِيبَةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَعْقِبُهَا السَّاعَةُ، فَإِنَّهَا تَتَابَعُ كَنِظَامِ خَرَزَاتٍ انْقَطَعَ سِلْكُهَا.
فَالأُولَى الَّتِي ظَهَرَتْ وَمَضَتْ، مِنْهَا: بِعَثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْتُهُ، وَفَتْحُ الْمَقْدِسِ، وَقتْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمِنْهَا وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةِ حَتَّى تَقْتَتِلُ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهَا وَاحِدَةٌ». وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وَمِنْهَا: مُلْكُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَا جَرَى عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي أَيَّامِهِمْ مِنْ الأَذِيَّةِ، كَقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَرَمْي الْكَعْبَةِ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَنَارُ الْحِجَازِ الَّتِي أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقُ الإِبِلِ بِبُصْرَى، وَمِنْهَا خُرُوجُ كَذَّابِيْنَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيّ، وَمِنْهَا كُثْرَةُ الْمَالِ، وَكَثْرَةُ الزَّلازِلْ.

.علامات الساعة المتوسطة:

الثَّانِيَةُ: الْعَلامَاتُ الْمُتَوَسِّطَةِ، مِنْهَا: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةِ حَتَّى يَكُونُ أَسْعَدُ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعَ بن لُكَع». وَاللكَعُ الْعَبْدُ الأَحْمَقُ وَاللئِيمُ، وَالْمَعْنَى: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ اللئَامُ وَالْحَمْقَى وَنَحْوَهُمْ رُؤَسَاءُ النَّاسِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَسٍ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عُبَّادٌ وَجُهَّالٌ وَقُرَّاءٌ فَسَقَةٌ». وَفِي لَفْظٍ: «فُسَّاقٌ». رَوَاهُ أَبُو نَعِيمٍ، وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ. وَمِنْهَا: أَنْ يُرَى الْهِلالُ سَاعَةَ يَطْلُعُ، فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ لِكِبَرِهِ، رَوَى مَعْنَاهُ الطَّبَرَانِي عَنْ ابن مَسْعُودٍ، وَفِي لَفْظٍ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ انْتِفَاخُ الأَهِلَّةِ». أَي: عِظَمُهَا.
وَمِنْهَا انْحِسَارُ الْفُرَاتِ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن الْحَارِثِ بن نَوْفَلَ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا مَعَ أُبِّيِ بِنْ كَُعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: لا يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفَةٌ أَعْنَاقُهُمْ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا. قُلْتُ: أَجَلْ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلِ مِنْ ذَهَبٍ، فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إليه، فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ: لَئِنْ تَرَكَنَا النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلَّهُ». قَالَ: «فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مَائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيّ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ السَّلامُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِي، وَعَنْ حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ مُشَارَكَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي التِّجَارَةِ، وَالتَّسْلِيمُ لِلْمَعْرِفَةِ». أَخْرَجَهُ أَبُو نَعِيمٍ، وَعَنْ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّّّّّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّجُلَ عَلَى الرَّجُلِ لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلا لِلْمَعْرِفَةِ». رَوَاهُ أَحَمْدَ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ تَسْلِيمُ الخَاصَّةِ، وَفُشُوِّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعْينُ المَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَشِهَادَةُ الزُّورِ، وَظُهُورِ القَلْمِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمِنْهَا مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ الصَّدَقَةَ كُتِمَتْ وَغُلَّتْ، وَاسْتُؤْجِرَ عَلَى الغَزْوِ، وَأخْرِبَ العَامِرُ، وَعُمِرَ الخَرَابُ، وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَمَرَّسُ بِأَمَانَتِهِ فَإِنَّكَ وَالسَّاعَةُ هَاتَيْنِ». رَوَاهُ الطَبَرَانِي.
وَعَنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَكتنى المَسَاجِدَ، وَيُعْمَرَ خَرَابٌ، وَيُخَرَّبَ عُمْرَانٌ». الحَدِيثُ رَوَاهُ الطَبَرَانِي، وَعَنْ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ سُوءُ الجِوَارِ، وَأَنْ تَجْلِبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، وَالتَّعْلِيمَ لِغَيْرِ اللهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدُ، وَالحَاكِمُ.
وَمِنْهَا تَقْلِيدُ الأَجَانِبِ، وَقَدْ وَقَعَ، حَتَّى أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ تَرَكُوا الدِّينَ، وَلاسِيَّمَا بَعْضُ المُتَدَيِّنِينَ، وَرَأَوْا التَّقَدُّمَ فِي تَقْلِيدِ الكَفَرَةِ، وَرَبَائِبَ الكَفَرَةِ وَمِنْهَا لَعْنُ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَوَّلَهَا، وَقَدْ حَصَلَ، وَمِنْهَا اتِّخَاذُ المَسَاجِدِ طُرُقًا، وَمِنْهَا مَا قَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَهُوَ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُكْمًا أَنَّهُ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ، يَهْرَمُ فِيهَا الكَبِيرُ وَيَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً، إِذَا تُرِكَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ تُرِكَتْ السُّنَّةُ» قَالُوا: وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: «إِذَا ذَهَبَتْ عُلَمَاؤُكُمْ، وَكَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ، وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُم، وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُم، وَالتُمِسَتْ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ، وَتُفُقِّهِ لِغيْرِ الدِّينِ».
قُلْتُ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليوم يَتَعَلَّمُونَ لأجْلِ الحُصُولَ عَلَى شَهَادَةَ المَاجِسْتِير أَو الدكتوراه أو البكاريُوس أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لا لأجْلِ إِزَالَةِ الجهل عن نفسِهِ وَنَفْع المسلمين بِتَعْلِيمهم بل لأجلِ الدُّنْيَا فَهْوَ تَعَلُّمٌ لِغَيْرِ الدِّينَ نسأل الله العافية وهؤلاء يَنْطَبِقُ عليهم قول الشاعر:
هَوِّنْ عَلَيْكَ فَمَا تَعْدُ شَهَادَتُهُمْ ** جَوَازَ سَفْرٍ إِلَى نَيْلِ الوُرَيْقَات

فَهَذَا الحَدِيثُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْقِ رِسَالَتِهِ، فَإِنَّ كُلَّ فَقَرَةٍ مِنْ فَقَرَاتِهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِي العَصْرِ الحَاضِرِ عَصْرُ المَلاهِي وَالمُنْكَرَاتِ وَالفِتَنِ وَالشُّرُورِ، وَالسُّفُورِ والتلفزيون والفِيديُواتِ وَالمذَايِيعِ وَالكُراتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْهَى وَأَشْغَلَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ.
يَا مَنْ بِدُنيَاهُ اِشتَغَلْ ** قَدْ غَرَّهُ طُولُ الأَمَلْ

المَوْتُ يَأْتِي بَغتَةً ** وَالصَّدْرُ صُنْدُوقُ العَمَلْ

قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن سُلَيْمَانَ مَوْقُوفًا، وَالحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، وَابْنُ عَسَاكِرَ مَرْفُوعًا: «إِذَا ظَهَرَ القَوْلُ، وَخُزِنَ العَمَلُ، وَائْتلَفَتْ الأَلْسُنُ، وَاخْتَلَفَتْ القُلُوبُ، وَقَطَعَ كُلُّ ذِي رَحِم رَحِمَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَعَنَهُمْ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ». وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالحَاكِمُ، وَابْنُ مَاجَة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «إِذَا كَانَتْ الفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُم، وَالمُلْكُ في صِغَارِكُمْ، وَالعِلْمُ في مُرَادِكُمْ، وَالمُدَاهَنَةَ فِي خِيَارِكُمْ»، يَعْنِي فَتَقْرُبُ إِقَامَةُ السَّاعِةِ.
وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ البُخَارِي وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَلا أُحَدِّثَكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحدثكم به أحد غيري؟ سمعت رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أنَ ْيُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَكْثُرُ الجَهْلُ، وَيَكْثُر الزِّنَا، وَيَكْثُرُ شُرْبُ الخَمْرِ، وَيَقِلُّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ» وَمِنْ أَمَارَاتِهَا تَضْيِيعُ الأَمَانَةِ، وَإِضَاعَتُهَا تَوْسِيدُ الأَمْرِ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَمِنْهَا فُشُوِّ الرِّبَا وَقَدْ عَمَّ.
وَقَالَ أَحَدُ العلماء رحمه الله تعالى في معرض كلام له:
وَإِنْ تَشَوَّفْتُمْ إِلَى سَمِاع الأَعْذَار، وَتَشَوَّقْتُمْ إِلَى جِمَاع الأَمْرِ الذِي هُوَ سَبَبٌ لِقَوْلِي حَذَارِ حَذَارِ، فَأَلْقُوا السَّمْعَ لِمَا أَقُولُ وَتَدَبَّرُوا مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ الشَّوَاهِد وَالنُّقُول، أليس هَذَا زَمَانُ الصَّبْر، الصَّابِرُ فِيهِ كَقَارِضٍ عَلَى الجَمْرِ، رَأَيْنَا فِيهِ مَا أَنْذَرَ بِهِ الرسول صلى الله عليه وسلم وَصَحَّت به الأَحَادِيثُ وَالنُّقُولُ لِكُلِّ سَؤُول، آياتٍ وَعَلاماتٍ مَا كَانَتْ تَقَعُ فِيمَا مَضَى مِنَامَاتٍ، وَيَوَدُّ كُلٌّ أَنَّهُ عَنْدَ المُنَى مَاتَ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَلْزَمَ العَالِمُ عِنْدَهَا خَاصَّةَ نَفْسِهِ وَيَدَعِ العَوَامْ، مِنْ ذَلِكَ الشُّحُّ المُطَاعُ وَدُنْيًا مُؤْثَرَةْ، وَهَوَى لَهُ ذُو اتِّبََاع، وَإِعْجَابُ كُلُّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ وَذَلِكَ عَيْنِ الابتداع، قَدْ مَرَجَتِ الأَمَانَاتُ وَالعُهُود، وَكَثُرَ القَائِلُونَ بِالزُّورِ وَالشُّهُود، وَجَمَّ الاخْتِلافُ، وَقَلَّ الائْتِلافُ، وَكُذِّبِ الصَّادِقُ، وَصَدَقَ الكَاذِبُ، وَخُوِّنَ الأَمِينُ، وَائْتُمِنَ الخَائِنُ، وَنَطَقَ الرُّوَيْبِضَةَ، وتكلم الرجُل التافِهُ في أَمْرِ العَامَّةْ، وَتَعَلَّمَ المُتَعَلَّمُ لِغَيْرِ العَمَل، وَكَانَ التَّفَقُهُ لِلدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ أَمَل، وَأُهِينَ الكَبِيرُ، وَقَدِّمَ الصَّغِير، وَرُفِعَتِ الأَشْرَارُ، وَوُضِعَتِ الأَخْيَار فلا يُتْبَعُ العليم، ولا يُسْتَحَى مِنَ الحليم، واتُّخِذَتِ البدعة سُنَّة فلا يُغَيِّرها مَنْ مَرَّ، وَصَارَ الموت إلى العلماء أَحَبُّ مِنَ الذَّهَبِ الأَحْمَر، وَاسْتَعْلَى الجُهَالُ عَلَى العُلماء، وقَهَرَ السُّفَهَاءُ الحُلماءُ، وَوُلِيَ الدِّينُ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَظَهَرَ الفُحْشُ مِنْ كُلِّ جَاهِلٍ عَلِى قَدْرِ جَهْلِهِ. انْتَهِى.
الله أكْبَرَ فِي الدِّفَاعِ سَأَبْتَدِي ** وَهُوَ المُعِينُ عَلَى نَجَاحِ المَقْصَدِ

وَهُوَ الذِي نَصَرَ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا ** وَسَيَنْصُرُ المُتَّبِعِينَ لأَحْمَدَ

وَبِهِ أَصُولُ عَلَى جَمِيعِ خُصُومِنَا ** وَأَعُدُّهُ عَوْنًا عَلَى مَنْ يَعْتَدِي

سَأَسُلُّ سَهْمًا فِي كِنَانِةِ وَحْيِهِ ** وَبِهِ أَشُدُّ عَلَى كَتائبِ حُسَّدِي

وَبِهِ سَأَجْدَعُ أَنْفَ كُلِّ مُكَابِرٍ ** وَبِهِ سَأَرْصُدُ لِلْكَفُورِ المُلْحِدِ

وَسَأَسْتَجِيرُ بِذِي الجَلالِ وَذِي العُلا ** فَلَنْ أُضَامَ إِذَا اسْتَجَرْتُ بِسَيِّدِي

وَسَأَسْتمِدُّ العَوْنَ مِنْهُ عَلَى الذِي ** لَمَزَ الأَحِبَّةَ بِالكَلامِ المُفْسِدِ

حَتَّى أُشّتِّتَ شَمْلَهُمْ بِأَدِلَّةٍ ** مِثْلَ الصَّوَاعِقِ فِي السَّحِابِ الأَسْوَدِ

وَبِنُورِ وَحْي الله أَكْشِفُ جَهْلَهُمْ ** حَتَّى يُبَيِّنَ عَلَى رُؤُوسِ المَشْهَدِ

لا تَلْمِزُونَا يَا خَفَافِيشَ الدُّجَا ** بِتَطَرُّفٍ وَتَسَرُّعٍ وَتَشَدُّدِ

لا تَقْذِفُونَا بِالشُّذُوذِ فَإِنَّنَا ** سِرْنَا عَلَى نَهْجِِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

وَلِكُلِّ قَوْل نَسْتَدِلُّ بِآيَةٍ ** أَوْ بِالحَدِيثِ المُسْتَقِيمِ المُسْنَدِ

وَالنَّسْخَ نَعْرِفُ وَالعُمُومَ وَأَنَّنَا ** مُتَفَطِّنُونَ لِمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِ

وَنُصُوصُ وَحْي اللهِ نُتْقِنُ فَهْمَهَا ** لا تَحْسِبُونَ الفَهْمَ كَالرأْي الرَّدِي

وَإِذَا تَعَارَضَتِ النُّصُوصُ فَإِنَّنَا ** بِأُصُولِ سَادَتِنَا الأئمةِ نَهْتَدِي

وَنُحَارِبُ التَّقْلِيدَ طُولَ زَمَانِنَا ** مَعُ حُبِّنَا لِلْعَالِمِ المُتَجَرَّدِ

وَكَذَا الأَئِمَّةُ حُبُّهُم مُتَمَكَّنٌ ** مِنْ كُلِّ نَفْسٍ يَا بَرِيَّةُ فَاشْهَدِي

وَتَرِقُّ أَنْفُسُنَا لِرُؤْيَةِ مَنْ غَدَا ** فِي رِبْقَةِ التَّقْلِيدِ شِبْهَ مُقَيَّد

إِنَّا نَرِى التَّقْلِيدَ دَاءً قَاتِلاً ** حَجَبَ العُقُولَ عَنِ الطَّرِيقِ الأَرْشَدِ

جَعَلَ الطَّرِيقَ عَلَى المُقَلِّدَ حَالِكًا ** فَتَرَى المُقَلَّدَ تِائِهًا لا يَهْتَدِي

فَلِذَا بَدَأْنَا فِي اجْتِثَاثِ جُذُورِهِ ** مِنْ كُلِّ قَلْبٍ خَائِفٍ مُتَرَدِّدِ

وَلَسَوْفَ نَدْمُلُ دَاءَهُ وَجِرَاحَهُ ** بِمَرِاهِمِ الوَحْيِ الشَّرِيفِ المُرْشِدِ

نَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ طُولَ حَيَاتِنَا ** فِي كُلِّ حِينٍ فِي الخَفَا وَالمَشْهَدِ

وَنُحَارِبُ الشِّرْكِ الخَبِيثَ وَأَهْلَهُ ** حَرْبًا ضَرُوسًا بِاللَّسِانِ وَبِاليدِ

وَكَذَلِكَ البِدَعُ الخَبِيثَةُ كُلَّهَا ** نَقْضِي عَلَيْهَا دونَ بَابِ المَسْجِدِ

هَذِي طَرِيقَتُنَا وَهَذَا نَهْجُنَا ** فَعَلامَ أَنْتُمْ دُونَنَا بِالمَرْصَدِ

لِمَا تَطْعَنُونَا وَتَلْمِزُونَا كَأَنَّنَا ** جِئْنَا بِرَأْيٍ لِلْعَقِيدَةِ مُفْسِدِ

أَلِمَذْهَبٍ وَلِعَادَةٍ وَحُكُومَةٍ ** تَتَهَرَّبُونُ مِنَ الحَدِيثِ المُسْنَدِ

هَذَا الحَدِيثُ تَلألأتْ أَنْوَارُهُ ** رَغْمَ الجَهُولِ وَرَغْمَ كُلِّ مُقَلِّدِ

إِنْ كُنْتُمْ تَتَضَرَّرُونَ بِنُورِهِ ** فَالشَّمْسُ تَطْلَعُ رَغْمَ أَنْفِ الأَرْمَدِ

بِاللهِ قُولُوا مَا الذِي أَنْكَرْتُمُوا ** عَلَى البَرِيَّةَ لِلْحَقِيقَةِ تَهْتَدِي

هَدَّدْتُمونَا بِالمَذَاهِبِ بِعْدَ مَا ** وَضَحَ الدَّلِيلُ فَبِئْسَ مِِنْ مُتَهَدِّدِ

وَيَهْتُمُونَا بِالقَبَائِحِ كُلِّهَا ** وَعَرَضْتُمُونَا بِالقَنَاعِ الأَسْوَدِ

وَرَفَعْتَمُونَا لِلْوُلاةِ تَشَفِّيًا ** وَفَرَحْتُمُوا بِتَهَدُّدٍ وَتَوَعُّدِ

لاكِنَّنَا لُذْنَا بِبَابِ إِلَهِنَا ** فَأَرَاحَنَا مِنْ كُلِّ خِصْمٍ مُعَْتَدِ

وَجَلا الحقيقةَ لِلْمَلأ فَخَسَأْتُمُوا ** وَالسُّوءُ يَظْهَرُ مِنْ خَبِيثِ المَقْصَدِ

يَا مَعْشَرِ الإِخْوَانِ سِيرُوا ** وَأَبْشِرُوا وَثِقُوا بِنَصْرِ الوَاحِدِ المُتَفَرِّدِ

وَلِتُعْلِنُوهَا لِلْبَرِيَّةِ كُلِّهَا ** إِنَّا بِغَيْرِ مُحَمَّدٍ لا نَقْتَدِي

لا نَطْلُبُ الدُّنْيَا وَلا نَسْعَى لَهَا ** اللهُ مَقْصَدُنَا وَنِعمَ المَقْصَدِ

لَيْسَ المَنَاصِبُ هَمَّنَا وَمُرَادُنَا ** كَلا وَلا ثَوْبِ الخَدِيعَةِ نَرْتَدِي

إِنَّا لنَسعْى فِي صَلاحِ نُفُوسِنَا ** بِعلاجِ أَنْفُسِنَا المَرِيضَةِ نَبْتَدِي

وَنُحِبُّ أَنْ نَهْدِي البَرِيَّةِ كُلِّهَا ** نَدَعُ الْقَرِيب قَبِيلَ نُصْحِ الأَبْعَدِ

وَبِوَاجِبِ المعروفِ نأْمر قَوْمَنَا ** وَنَقُومُ صَفَّا في الطَّرِيقِ المُفْسِدِ

لَو تُبْصِرُ الإِخْوانَ في حَلَقَاتِنَا ** مِنْ عَالِمٍ أَوْ طالب مسترشدِ

لَرَأَيْتَ عِلْمًا وَإِتِّبَاعًا صَادِقًا ** لِلسُّنَّةِ الغَرَّاءِ دُونَ تَرَدُّدِي

أَنْعِمْ بطلاب الحديثِ وأَهْلِهِ ** وَأجِلُّهُم عن كل قَوْلِ مُفْسِدِ

هُمْ زِينةُ الدُّنْيَا مَصَابِيحُ الهُدَى ** طُلَعُوا عَلَى الدُّنْيَا طُلُوع الغَرْقَدِ

وَرِثُوا النَّبِيِّ فَأَحْسَنُوا فِي إِرْثِهِ ** وَحَمَوْهُ مِنْ كَيْدِ الخَبِيثِ المُعْتَدِي

سَعِدُوا بِهَدْي مُحَمَّدٍ وَكَلامِهِ ** وَسِوَاهُمُ بِكَلامِهِ لَمْ يَسْعُدِ

وَالدِّينُ قَالَ اللهُ قَالَ رَسُوله ** وَهُمْ لِدِينِ اللهِ أَفْضَلُ مُرْشِدِ

وَالفِقْهُ فَهْمُ النَّصِ فَهْمًا وَاضِحًا ** مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَتَأْوِيلٍ رَدِيْ

لا تَحْسَبَنَّ الفَقْه مَتْنًا خَالِيًا ** مِنْ كُلِّ قَولٍ لِلْمُشَرِّعِ مُسْنَدِ

فَعَلَيْكَ بِالوَحْيَيْنِ لا تَعْدُوهُمَا ** وَاسْلُكْ طَرِيقهُمَا بِفهْمِ جَيِّدِ

فَإِذَا تَعَذَّرَ فَهْمُ نَصٍّ غَامِضٍ ** فَاسْتَفْتِ أَهْلَ الذِّكْرِ كَالمُسْتَرْشِدِ

بِالبَيَّنَاتِ وَالزَّبُورِ فَإِنَّهُ ** مِنْ أَمْرِ رَبَّكَ فِي الكِتابِ فَجَوِّدِ

وَاعلم بأنَّ مَن اقْتَدَى بِمُحَمَّدٍ ** سَيَنَاله كَيْدُ الغُوَاةِ الحُسَّدِ

وَيَذوق أَنْواعَ العَدَاوةِ وَالأَذَى ** مِنْ جَاهِلٍ وَمُكَابِرٍ وَمُقَلَّدِ

فَاصْبِرْ عَلَيْهِ وَكُنْ بِرَبَّكَ وَاثِقًا ** هَذَا الطَّرِيقُ إِلَى الهُدَى وَالسُّؤْدَد

.مَوْعِظَة:

عِبَادَ اللهِ انْتَبِهُوا وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، فَإِنَّ أَعْمَارَكُم سَرِيعَةُ الانْصِرَامِ، وَالأَيَّام وَاللَّيالِي تَمُرُّ بِكم مَرَّ السَّحَابِ، وَالدُّنْيَا إِذَا تَأَمَّلَهَا اللَّبِيبُ رَآهَا كَالسَّرَابِ، وَصَدَقَ القَائِلُ فِي وَصْفِهَا حَيْثُ قَالَ:
حَيَاةٌ وَمَوْتٌ وَانْتِظَارُ قِيَامَةٍ ** ثَلاثُ أَفَادَتْنَا أُلُوفَ مَعَان

فَلا تَمهْرَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ إِنَّهَا ** تُفَارِقُ أَهْلِيْهَا فِرَاقَ لِعَان

وَلا تَطْلُبَاهَا مِنْ سَنَانٍ وَصَارِمِ ** بِيَوْمِ ضِرَابٍ أَوْ بِيَوْمِ طِعَانِ

فَإِنْ شِئْتُمَا أَنْ تَخْلَصَا مِنْ أَذَاتِهَا ** مُحِطًا بِهَا الأَثْقَال وَاتبعان

وقال آخر:
أَلا كُلُّ حَيِّ هَالِكٍ وَابْنُ هَالِكٍ ** وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِينَ عَرِيقُ

إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيبٌ تَكَشَّفَتْ ** لَهُ عَنْ عَدُّوٍّ فِي ثِيَابِ صَدِيق

آخر:
هِيَ الدُّنْيَا تَقُولُ بِمِلْءِ فِيهَا ** حَذَارِ حَذَارِ مِنْ فَتْكِي وَبَطْشِي

فَلا يَغْرُوكُمَا مِنِّي إِبْتِسَامٌ ** فَقَوْلِي مُضْحِكٌ وَالفعْلُ مُبْكِي

آخر:
أَقُولُ وَيَقْضِي اللَهُ مَا هُوَ قَاضِي ** وَإِنّي بِمَا يَقْضِي الإِلَهُ لَرَاضِي

أَرَى الخَلْقَ يَمْضِي وَاحِدٌا بَعدَ واحِدٍ ** فَيا لَيتَني أَدْرِي لِمَا أَنا مَاضِي

كَأَن لَم أَكُن حَيًّا إِذا حُثَّ غَاسِلي ** وَأَسْرَعَ لَفَّيْ ثِيابِ بَياضِي

أَعْوَامٌ سَرِيعَةُ المُرُورِ، وَشُهُورٌ تَقْتَفِي إِثْرَ شُهُورٍ وَعِبَرٌ بَيْنَ ذَلِكَ تَتْرَى، فَعَلامَ الغُرُورُ، فَلا تَغْتَرُّوا بِالدُّنْيَا فَقَدْ نَهَاكُمْ اللهُ عَنِ الاغْتِرَارِ بِهَا وَضُرِبَتْ لَكُمْ بِأَخْذِ أَمْثَالِكُم الأَمْثَالُ، أَرَتْكُمْ عِيَانًا كَيْفَ تَقَلَّبَتْ بِأَهْلِهَا الأَحْوَالُ، وَخَدَعَتْهُمْ الآمَالُ، حَتَّى انْتَهَتْ لَهُمْ الآجَالُ، قَبْلَ أَنْ يَحْصُلُوا عَلَى مَا سَيَتَمَنَّوْنَهُ مِنْ صَالِحِ الأَعْمَالِ، فَاسْتَيْقِظُوا مِنْ نَوْمِكُمْ، وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُم عَلَى مَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي الثِّقالِ، فَأَيُّ نَفْسٍ مِنَّا لَمْ تَحْمِلْ ظُلْمًا، وَأَيُّ جَارِحَةًَ مِنْ جَوَارِحِنَا لَمْ تَقْتَرِفُ إِثْمًا، وَأَيُّ عَمَل مِنْ أَعْمَالِنَا يَلِيقُ بِذَلِكَ المَقَامُ، وَأَيُّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِنَا تَمَحَّضَ لِلطَّاعَةِ وَخَلا مِنَ الآثَامِ، لَقَدْ جَنَيْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا بِالذُّنُوبِ جِنَايَة عَظِيمَةً، فَلَيِّنُوا قُلُوبِكُمْ بِذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَاتِ، لَعَلَّهَا تَلِينُ، وَعِظُوهَا بِذِكْرِ القَبْرِ وَفِتْنَتِهِ فَإِنَّهُمَا لَحَقُّ اليقِين، وَذَكِّرُوهَا: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً}، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
وَفِي دُونِ مَا عَايَنْتَ مِنْ فَجَعَاتِهَا ** إِلَى دَفْعِهَا دَاعٍ وَبِالزُّهْدِ آمِرُ ج

فَجُدَّ وَلا تَغْفَلُ وَكُنْ مُتَيَقِّظًا ** فَعَمَّا قَلِيلِ يَتْرُكُ الدَّارَ عَامِرُ

وَشَمِّرْ وَلا تَفْتُرْ فَعُمْرُكَ زَائِلٌ ** وَأَنْتَ إِلَى دَارِ الإِقَامَةِ صَائِرُ

وَلا تَطْلُبِ الدُّنْيَا فَإِنَّ نَعِيمَهَا ** وَإِنْ نِلْتَ مِنْهَا غِبَّهُ لَكَ ضَائِرُ

أَمَا قَدْ نَرَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ** يَرُوحُ عَلَيْنَا صَرْفُهَا وَيُبَاكِرُ

تَعَاوَرَنَا آفَاتُهَا وَهُمُومُهَا ** وَكَمْ قَدْ نَرَى يَبْقَى لَهَا المُتَعَاوِرُ

فَلا هُوَ مَغْبُوطٌ بِدُنْيَاهُ آمِنٌ ** وَلا هُوَ عَنْ تَطْلابِهَا النَّفْسَ قَاصِرُ

اللَّهُمَّ أَيْقَظْنَا مِن سَنَةِ الغَفْلَةِ ونَبِّهْنَا لاِغْتِنَامِ أَوقَاتِ المُهْلَةِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لِكِتَابِكَ مِنَ التَّالِينَ وَلَكَ بِهِ مِنَ العَامِلِينَ وَبِمَا صَرَّفْتَ فِيهِ مِنَ الآيَاتِ مُنْتَفِعِينَ، وَإِلَى لَذِيذِ خِطَابِهِ مُسْتَمِعِينَ، وَلأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ خَاضِعِينَ وَبِالأَعْمَالِ مُخْلِصِينَ، وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدْ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَمِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ المُتَوَسِّطَةِ مَا أَخْبَرِ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الفِتَنِ التِي تَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرُّ الرَّجُلُ عَلَى القَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، وَلَيَْس بِهِ الدِّيْنُ إِلا البَلاءُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
يَبكِي رِجَالٌ عَلَى الحَيَاةِ وَقَدْ ** اشْتَقْتُ يَا قَوْمِي إِلَى قُرْبِِ الأَجَلْ

مِن قَبلِ أَنْ تَعْرُضْ لِقَلْبِي فَتْنَةٌ ** فَتَصْرِفُهُ عَنْ طَاعَةِ المَوْلَى الأجَلْ

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَّنَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يَدْرِي القَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلا المَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ»، وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْعَدَوِيِّ عَنْ يُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: هَاجَتْ رِيحٌ حَمْرَاءُ بِالْكُوفَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ هُجَيْرَا إِلا: يَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ مَسْعُودٍ جَاءَتْ السَّاعَةُ، قَالَ: فَقَعَدَ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ حَتَّى لا يُقْسَمَ مِيرَاثٌ، وَلا يُفْرَحَ بِغَنِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَنَحَّاهَا نَحْوَ الشَّامِ، فَقَالَ: عَدُوٌّ يَجْمَعُونَ لأَهْلِ الإِسْلامِ، وَيَجْمَعُ لَهُمْ أَهْلُ الإِسْلامِ. قُلْتُ: الرُّومَ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَتَكُونُ عِنْدَ ذَاكُمْ الْقِتَالِ رَدَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَيَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يَحْجُزَ بَيْنَهُمْ اللَّيْلُ، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلٌّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، ثُمَّ يَشْتَرِطُ الْمُسْلِمُونَ شُرْطَةً لِلْمَوْتِ، لا تَرْجِعُ إِلا غَالِبَةً، فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى يمسوا، فَيَفِيءُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ كُلُّ غَيْرُ غَالِبٍ، وَتَفْنَى الشُّرْطَةُ، فَإِذَا كَانَ اليوم الرَّابِعِ نَهَدَ إليهمْ بَقِيَّةُ أَهْلِ الإِسْلامِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ الدَّبْرَةَ عَلَيْهِمْ، فَيَقْتَتِلُونَ مَقْتَلَةً، إِمَّا قَالَ: لا يُرَى مِثْلُهَا، وَإِمَّا قَالَ: لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، حَتَّى إِنَّ الطَّائِرَ لَيَمُرُّ بِجَنَبَاتِهِمْ فَمَا يُخَلِّفُهُمْ حَتَّى يَخِرَّ مَيْتًا، فَيَتَعَادُّ بَنُو الأَبِ كَانُوا مِائَةً، فَلا يَجِدُونَهُ بَقِيَ مِنْهُمْ إِلا الرَّجُلُ الْوَاحِدُ، فَبِأَيِّ غَنِيمَةٍ يُفْرَحُ، أَوْ أَيُّ مِيرَاثٍ يُقَاسَمُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعُوا بِبَأْسٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ الصَّرِيخُ إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَلَفَهُمْ فِي ذَرَارِيِّهِمْ، فَيَرْفُضُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَيُقْبِلُونَ فَيَبْعَثُونَ عَشَرَةَ فَوَارِسَ طَلِيعَةً. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ، وَأَلْوَانَ خُيُولِهِمْ، هُمْ خَيْرُ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، أَوْ مِنْ خَيْرِ فَوَارِسَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
نَنْسَى المَنَايَا عَلَى أَنَّا لَهَا غَرَضُ ** فَكَمْ أُنَاسٍ رَأَيْنَاهُمْ قَدِ اِنْقَرَضُوا

إِنَّا لَنَرْجُو أُمُورًا نَسْتَعِدُّ لَهَا ** وَالمَوْتُ دُونَ الَّذِي نَرْجُوهُ مُعْتَرِضُ

لِلَّهِ دُرُّ بَنِي الدُّنْيَا لَقَدْ غُبِنُوا ** لِمَا اطْمَأَنُّوا بِهِ مِنْ جَهْلِهِمْ وَرَضُوا

مَا أَربَحَ اللَهُ فِي الدُّنْيَا تِجَارَةَ إِنْـ ** سَانٍ يَرَى أَنَّهَا مِنْ نَفْسِهِ عِوَضُ

لَبِئْسَتِ الدَّارُ دَارًا لا نَرَى أَحَدًا ** مِنْ أَهْلِهَا نَاصِحًا لَمْ يَعْدُهُ غَرَضُ

مَا بَالُ مَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةَ لا ** يَنْكَفُ عَنْ عَرَضِ الدُّنْيَا وَيَنْقَبِضُ

تَصِحُّ أَقْوَالُ أَقْوَامٍ بِوَصْفِهِمُ ** وَفِي القُلُوبِ إِذَا كَشَّفتْهَا مَرَضُ

وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ ** وَكُلُّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الأَرْضِ مُنْقَرِضُ

وَالحَادِثَاتُ بِهَا الأَقْدَارُ جَارِيَةٌ ** وَالمَرْءُ مُرْتَفِعٌ فِيهَا وَمُنْخَفِضُ

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَقَدْ جَدَّ الرَّحِيلُ بِنَا ** حَتَّى مَتَى نَحْنُ فِي الغِرَّاتِ نَرْتَكِضُ

نَفْسُ الحَكِيمِ إِلَى الْخَيْرَاتِ سَاكِنَةٌ ** وَقَلبُهُ مِنْ دَوَاعِي الشَرِّ مُنْقَبِضُ

اصْبِرْ عَلَى الحَقِّ تَسْتَعذِبْ مَغَبَّتَهُ ** وَالصَّبْرُ لِلْحَقِّ أَحْيَانًا لَهُ مَضَضُ

وَما اِستَرَبْتَ فَكُنْ وَقَّافَةً حَذِرًا ** قَدْ يُبرَمُ الأَمْرُ أَحْيَانًا فَيَنْتَقِضُ

مَوْعِظَة:
عِبَادَ اللهِ اتَّقُوا اللهِ وَبَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُغْلَقَ عَنْكُمُ البَابَ، وَابْتَدِرُوا الأَوْبَةَ قَبْلَ أَنْ يُرْخَى دُونَكُمْ حِجَابُهَا، وَانْتَهِزُوا فُرَصَ الحَيَاةِ فَقَدْ اقْتَرَبْتْ السَّاعَةُ وَتَضَاعَفَ اقْتِرَابُهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} فَيَا عِبَادَ اللهِ تَذَكَّرُوا مَوَاقِفَ الخَلائِقِ بَيْنَ يَدَي العَزِيزِ الجَبَّارِ فِي يَوْمِ يُحَرَّرُ فِيهِ الحِسَابُ، وَأَعِدُّوا لِلْحِسَابِ صَوَابَ الجَوَابِ، فلابد أَنْ يُطْلَبُ مِنْكُمْ عَلَى كُلُّ مَسْأَلٍة جَوَابُهَا، وَاجْتَنِبُوا التَّسْوِيفَ فَإِنَّ سُيُوفَ المَنِّيَةِ قَاطِعَة، يَا مَعْشَرِ المُسَوِّفِينَ أَظَنَنْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الدُّنْيَا مُخَلَّدُون، وأنتمُ مَعَ العَاصِينَ قَاعِدُونَ، كَمْ مَرَّتْ بِكُمْ مَوَاسِمُ الطَّاعَاتِ، وَأَنْتُمْ عَنِ اسْتِغْلالِهَا بِالبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ رَاقِدُونَ، فَمَا بَالُكَ أَيُّهَا الغَافِلُ تُسَارِعُ فِي مُتَابَعَةِ هَوَاكَ، مَعَ أَنَّكَ فِي العِبَادَةِ مُتَكَاسِل، وَتُتْلَى عَلَيْكَ آيَاتُ مَوْلاكَ وَأَنْتَ عَنْهَا مُعْرِضٌ إِعْرَاضَ الجَاهِلَ تَسْمَعُ المَلاهِي فَتَمِيلُ إليها بِقَلْبِكَ وَتُبْصِرُ المَنَاهِي مِنْ تِلفزيُون وَفِديو وَسِينمَاء وَسَافِرَاتٍ وَصُور فَلا تَتَحَرَّكُ وَلا تَتَمَعَّرَ، هَلْ أَنْتَ مُكَذّبٌ بِالتَّحْرِيم، أَوْ مُتَشَّكِكٌ فِي البَعْثِ وَعَذَاب القَبْرِ وَالحِسَابَ وَالصِّرَاطِ وَالمِيزَانِ، فَيَا مُؤْمِنًا بِيَوْمِ الحِسَابِ تَهَيأ لِلْمُحَاسَبَةِ، وَيَا مُذْعِنًا بِحُقُوقِ الرَّبِ اسْتَعِدَّ لِلْمُطَالَبَةُ وَيَا طَوَيلَ الأَمَلِ كَمْ آمَالٍ أَصْبَحَتْ خَائِبَة، فَكَأنَّكَ بِالمَوْتِ وَقَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِكَ وَنَزَلْتَ فِي القَبْرِ مَعَ عَمَلِكَ وَحُشِرْتَ وَعُرِضْتَ عَلَى عَالم سَرِِيرَتِكَ وَعَلانِيَّتِكَ وَكَأَنَّكَ بِالحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالحِسَابِ بَيْنَ يَدَي اللهِ عَزَّ وَجَل، وَكَأَنَّكَ بِالأَهْوَالِ وَالمَخَاوُفِ وَقَدْ أَحَاطَتْ وَاشْتَدَّ الخَوْفُ وَالوَجَلُ وَكَأَنَّكَ بِالجَحِيمِ وَقَدْ سُعِّرَتْ وَقَدْ أُزْلِفَتْ، فَالبِدَارَ قَبْلِ انْقِضَاءَ الأَعْمَارِ.
يَا وَيْحَ مَنْ أَنْذَرَهُ شَيْبُهُ ** وَهُوَ عَلَى غَيّ الصِّبَا مُنْكَمِشْ

يَعْشُوا إِلَى نَارِ الهَوَى بَعْدَمَا ** أَصْبَحَ مِنْ ضُعْفَ القُوَى يَرْتَعِشْ

لَمْ يَهَبِ الشَّيْبَ الذِي مَا رَأَى ** نُجُومَهُ ذُو اللُّبِ إِلا ارْتَعَشْ

فَذَاكَ إِنْ مَاتَ فَسُحْقًا لَهُ ** وَإِنْ يَعِشْ عُدَّ كَمَنْ لَمْ يَعِشْ

فَهَاكَ كَأْسُ النُّصْحِ فَاشْرَبْ وَجُدْ ** بِفَضْلِهِ الكَأْسِ عَلَى مَنْ عَطِشْ

آخر:
تَجرّدْ مِنَ الدّنيا فإنّك إنّما ** خَرجْتَ إلى الدُّنيا وأنتَ مُجَرَّدُ

وَتُبْ مِنْ ذُنُوبٍ مُوبِقَاتٍ جَنَيْتَهَا ** فَمَا أَنْتَ فِي دُنْيَاكَ هَذِي مُخَلَّدُ

آخر:
وَمِنْ عَجَبِ الدُّنْيَا كُوني وَصَبْوَتِي ** إليها عَلَى سِنِّي كَأَنّي وَلِيدُهَا

أُجَارِي اللَّيَالِي لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ ** مُشِيحًا كَأَنِّي تِرْبُهَا وَطَرِيدُهَا

اللَّهُمَّ اهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَوَفِّقْنَا لِلْفِقْهِ فِي دِينِكَ القَوِيمِ، واجعلنا مِنَ العَامِلِينَ بِهِ قَوْلاً وَفِعْلاً الدَّاعِينَ إليه، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
موعظة:
عِبَادَ اللهِ مَا نَدمَ مَنْ أَطَاعَ اللهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَلا عَادَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا إِلا بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فِي كُلِّ آنٍ، وَالعُصَاةُ فِي كُلِّ زَمَنٍ هُمْ المَمْقُتُونَ مَهْمَا ابْتَسَمْتْ لَهُمْ الدُّنْيَا وَقَضُوا فِيهَا بَعْضَ مَآرِبِهِمْ، وَمَهْمَا هَامُوا بِحُبِّهَا وَأَحْكَمُوا أَسَالِيبَ جَمْعِهَا، فَإِنَّ الدُّنْيَا لا تَبْتَسِمُ لِفَاسِقٍ إِلا لِتَسْحَقَهُ، وَلا تَفْتَحُ ذِرَاعَيْهَا لِمُقْبِلٍ عَلَيْهَا إِلا لِتُحْرِقَهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} فَمَاذَا غَرَّكَ فِيهَا أَيُّهَا المِسْكِينُ، إِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ فِيهَا كَثْرَةُ النَّقْدَيْنِ أَوْ مَا نَابَ مَنَابَهُمَا مِنْ أَوْرَاقٍ، فَإِنَّ الجَنَّةَ حَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ، وَتُرَابُها الزَّعْفَرَانُ، وَبِنَاؤُهَا الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ، وَالدُّرُ وَاليَاقُوتُ، وَإِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ مِنْهَا فَوَاكِهُهَا وَمَطْعُومَاتِهَا وَمَا حَوْتَ مِنْ مَتَاعٍ، فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَإِنْ كَانَ الذِي غَرَّكَ جَمَالُ نِسَائِهَا، فَإِنَّ فِي الجَنَّةِ: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}، {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} لَوْ ظَهَرَ بَنَانُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى الدُّنْيَا لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ المِرْآةِ، وَتُسَرُّ بِمُشَاهَدَتِهَا سُرُورًا لا يَعْلَمُ قَدْرَهُ إِلا اللهُ، لا تَنْظُرُ إِلا إليها وَلا تَنْظُرُ إِلا إليك، لا تَتَكَلَّمْ إِلا بِمَا يَسُرُّكَ، تَأْمُرُهَا فَتَخْضَعُ، وَتُحَدِثُّهَا فَتَسْمَعُ، إِذَا تَكَلَّمَتْ أَطْرَبَتْ، لا تَفْتَخِرُ عَلَيْكَ بِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، وَلا تَمُنُّ بِجَمِيلِ صُنْعِهَا، لا تَنْفُرُ مِنْكَ وَلا تَغْضَبُ، وَلا تَلْهُو عَنْكَ وَلا تَصْخَبُ، الجَمَالُ كِسَاؤُهَا، وَالكَمالُ رِدَاؤُهَا، وَالوُدُّ وَالوَفَاءُ مِنْ طَبْعِهَا، لا يَعْلُو صَوْتُهَا عَلَى صَوْتِكَ، وَلا تَجْتَهِدُ إِلا فِي مَرْضَاتِكَ، هَادِئَةً، سَاكِنَةً رَاضِيَةً. تِلْكَ وَأْمَثالُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ المَعْلُومِينَ، مِن قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أَيُّهَا المسلمون، لَقَدْ فَازَ وَالله مِنِ اجْتَهَدَ فِيمَا يُنَجِّيهِ، وَخَابَ مَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِيمَا يُخْزِيهِ، وَأَنْتُم الآنَ في فُسْحَةٍ مِنْ أَجَلِكُمْ، وَصِحَّةٍ مِنْ أَبْدَانِكُمْ، وَاكْتِمَالٍ مِنْ عُقُولِكُمْ، وَآخِرُ الأَجَلِ غَائِبٌ عَنْكُمْ، وَلا تَدْرُونَ كَيْفَ حَالُكُم بَعْدَ يَوْمِكم فَسَارِعُوا: {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} مِنْ قَبْلِ أَنْ يَفْقِدَ البَدَنُ صِحَّتَهُ، وَيَقُولُ الحَقُّ كَلِمَتَهُ، فَيَنْقَضِي الأَجَلُ، وَيُخْتَمُ عَلَى العَمَلِ، فَلا يُنْقَصُ فِيهِ وَلا يُزَادُ، وَلا يُعَدَّلُ فِيهِ شَيْءٍ إِلَى المَعَادِ، تَقُولُ: لَيْتَنِي أَطَعْتُ، وَمَا هِي بِنَافِعَةٍ، وَلَيْتَنِي مَا عَصَيْتُ، وَلَيْسَتْ بِدَافِعَةٍ، إِذًا فَأَضْيَعُ النَّاسِ وَأَخْسَرُهم صَفْقَةً مَنْ سَوَّفَ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، وَأَشَدُّهُمْ خُسْرَانًا مَنْ لَمْ يُبَادِرْ فِي التَّوْبَةِ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} وَفِي الحَدِيثِ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
إِلَى اللهِ تُبْ قَبْلَ انْقِضَا زَمَنِ العُمْرِ ** أُخَيَّ وَلا تَأْمَنْ مُسَاوَرَةَ الدَّهْرِ

لَقْدَ حَدَّثْتَكَ الحَادِثَاتِ نُزُولَهَا ** وَنَادَتْكَ إَلا أَنَّ سَمْعَكَ ذُو وَقْرِ

تَنُوحُ وَتَبْكِي لِلأَحِبَّةِ أَنْ مَضُوا ** وَنَفَسَكَ لا تَبْكِي وَأَنْتَ عَلَى الأَثْرِ

آخر:
وَمَا حَالاتُنَا إِلا ثَلاثُ ** شَبَابٌ ثُمَّ شَيْبٌ ثُمَّ مَوْتُ

وَآخِرُ مَا يُسَمَّى المَرْءُ شَيْخًا ** وَيَتْلُوهُ مِنْ الأَسْمَاءِ مَيْتُ

آخر:
إِنِّي أَبُثُّكَ مِنْ حَدِيثِي ** وَالحَدِيثُ لَهُ شُجُونْ

غَيَّرْتُ مَوْضِعَ مَرْقَدِي ** لَيْلاً فَفَارَقَنِي السُّكُونْ

قُلْ لِي فَأَوَّلُ لَيْلَةٍ ** فِي القَبْرِ كَيْفَ تَرَى تَكُونُ

آخر:
فَبَادِرْ إِلَى الخَيْرَاتِ قَبْلَ فَوَاتِهَا ** وَخَالِفْ مُرَادَ النَّفْسِ قَبْلَ مَمَاتِهَا

سَتَبْكِي نُفُوسٌ فِي القِيَامَةِ حَسْرَةً ** عَلَى فَوْتِ أَوْقَاتٍ زَمَانَ حَيَاتِهَا

فَلا تَغْتَرِرْ بِالعِزِّ وَالمَالَ وَالمُنَى ** فَكَمْ قَدْ بُليْنَا بِانْقَلابِ صِفَاتِهَا

آخر:
إِذَا مَرِضْنَا نَوَيْنَا كُلَّ صَالِحَةٍ ** وَإِنْ شُفِينَا فَمِنَّا الزَّيْغُ وَالزَّلَلُ

نُرْضِي الإلَهَ إِذَا خِفْنَا وَنُسْخِطُهُ ** إِذَا أَمِنَّا فَمَا يَزْكُوا لَنَا عَمَلُ

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِسَبِيلِ الطَّاعَةِ، وَثَبِّتْنَا عَلَى إِتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وَلا تَجْعَلَنَا مِمَّنْ عَرَفَ الحَقَّ وَأَضَاعَهُ، وَاخْتِمْ لَنَا بِخَيْرٍ مِنْكَ يَا كَرِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينََ الأحْيَاءِ منْهُمْ والمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.